الوداع للأبد لرحلات بركان تال

اصدرت حكومة الفلبين قرارا اليوم بمنع عودة الناس الي جزيرة بركان تال. هذا يعني أن الجزيرة ، التي كانت عامرة بالسكان ، الذين يعملون علي خدمة السياح القادمين لزيارة بركان تال ستصبح خالية ولايوجد بها أنسان ولا حيوان ، منذ الان والي الابد ، حسب ما سمعت فى الأخبار.

ذكرياتى مع تجاى تاى ورحلات بركان تال

الرحلة الي بركان تال كانت تبدأ برحلة بحرية بالقوارب لمدة 15 دقيقة تقريبا حتي نصل الي جزيرة البركان ، وهذه الرحلة بالقارب في حد ذاتها كانت متعة بالغة ، يتراقص بنا القارب علي الامواج ، وتبتل ملا بسنا برذاذ ماء البحيرة المنعش ، مع خليط من الضحك والصياح والصراخ.

بعد ان نصل بالقارب الي جزيرة البركان ، نتوجه الي النقطة السياحية حيث نسجل الاسماء ، وندفع رسوما بسيطة للدخول والتوغل في الجزيرة وصولا الي البركان ، عند هذه النقطة يوجد مئات من ساكني الجزيرة معهم حيوانتهم من حمير وبغال وأحصنة ، صاحب الحيوان – حصانا كان أو غيره – يعمل ايضا كمرشد سياحي لنا يقودنا خلال المسارات والدروب الجبلية غير الممهدة حتي نصل الى البركان. رسوم استيجار الحصان كانت تقريبا 600 بيسو مقابل رحلة ذهابا وايابا تستغرق حوالي الساعتين.

اذا لم ترغب في تاجير حصان ، يمكنك القيام بهذه الرحاة الشيقة سيرا علي الاقدام ، وربما يكون هذا أفضل صحيا وأكثر متعة لأنك ستتفرغ للأستمتاع بالمناظر المحيطة بدلا من التركيز على حفظ توزنك فوق ظهر الحصان.

عند النقطة السياحية تجد أيضا العديد من البقالات الصغيرة والكانتينات (المطاعم الصغيرة) تبيع الوجبات السريعة وغيرها ، وايضا كنا نجد علي طول الممرات وعند الهضبة التي تطل علي البركان ، مثل هذه البقالات او بائعي العصائر والمشروبات المثلجة ، وخاصة عصير جوزة الهند ، فلم يكن يفوتنا أبدا ان نشرب ماء جوزة الهند المرطب المنعش أثناء جلوسنا الهضبة العالية التي تطل علي فوهة البركان. ساعات أشبه بالخيال نمضيها بالقرب من بركان تال.

البركان في جميع الاحوال كان مستقرا هادئا ساكنا ، يخفى ويكبت حممه تحت المياه التي تملا فوهته علي شكل بحيرة صغيرة. يمكنك اذا رغبت أن تهبط الهضبة وتصل الي ماء بحيرة البركان وتلمسها وتاخذ منه بعضا للذكري. كل هذا يتم والجميع مطمئن الي سلامته بجانب البركان الساكن.

ولكن ، وفجاة ثار البركان منذ عدة ايام (بالضبط يوم الأحد 12 يناير 2020) ، ولا أعرف لماذا ثار فقد كنا نحبه ونوده ونزوره دائما. ثار وهاج بركان تال قذف بحممه المشتعلة كأنها قطعا من نار جهنم تخرج من باطن الأرض ، حمما تنطلق نحو السماء بمئات الأمتار محملة بالغباره البركاني القاتم اللون ، ثم تسقط حيث شاءت الأقدار ، تسقط على رؤو من لا ذنب لهم اللهم أنهم كانوا يعشقون العيش بالقرب من البركان وبحيرة البركان. سقط الرماد أو الغبار علي المناطق المجاورة في دائيرة يصل قطرها اكثر من 17 كيلومترا ، حتى اثار الغبار البركاني البركانى وصلت الى ابعد من ذلك ، حيث شعرنا به في مانيلا علي بعد اكثر من 60 كيلومترا من البركان ، غبر زجاج النوقذ ووأسطح وزجاج السيارات.

اما المناطق القريبة من البركان الثائر ، بركان تال ، فاصابها الكثير من الضرر في الحياة والنبات والاموال ، جزيرة البركان ردمت بالغبار البركاني الذي قضي علي كل اثر للحياة فيها من نبات او حيوان ، ودفع السكان للفرار بعيدا الى ملاذ أمن يطلبون النجاة بأرواحهم بعدما أهلك البركان كل ما كان لديهم.

أما المناطق المجاورة الاخري في تجاي تاي وبتنجاس وكافيتي فقد غطي الغبار البركاني شوارعها واسطح المنازل التي اتشحت بلون رمادي حزين وأختفى اللون الأخضر الزاهى البهيج من على الهضاب الجبال ، وأصبحت المتنزهات لا تملك ألا أن تبكى أمسها الذى راح ولن يعود. هطلت الامطار فاختلطت بالغبار البركاني فزاد ثقله ، لم تتحمل بعض اسطح المنازل الغبار المشبع بماء الأمطار ، فانهارت.

توالت التنبيهات والتخذيرات عن خكومة الفلبين علي مدار الساعة ، لكى يحتاط السكان ويلبسوا اقنعة الوجه ، التي نفذت خلال ساعات من الاسواق. واخر ما جاءت به الاخبار قرار الحكومة بحظر دائم لعودة الناس الي جزيرة بركان تال ، بما يحمل معني انه لن توجد بعد ذلك رحلات سياحية الي بركان تال. وربما اكثر ما تطمح اليه مستقبلا هو ان تلقي نظرة علي البركان من بعد من فوق تلال مدين تجاي تاي.

فهل حقا سنحرم الي الابد من تلك الرحلات الشيقة الي بركان تال ، وهل سيفقد سكان تجاي تاي احد اهم مصادر الرزق هم وهو العمل بخدمة السياح ، اتمني من كل قلبى ان تتغير الاحوال مستقبلا ، ويستقر البركان كما كان في الماضي ويفتح المجال للزوار لزيارته مرة اخري.